Nov 21, 2015

لماذا تخلع نعليك قبل دخولك المسجد؟

أيّها الأخ المسلم! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

واعلم ياأخي أنّ الأعمال التّي فرضها الله عليك من الصلاة والصوم والحجّ والزّكاة وغيرها، والأعمالَ التي سنّها لك الرسول صلّى الله عليه وسلّم وشرعها لها أسباب وأغراض كما لها دلائل من الكتاب والسنّة، يقبلها العقل السليم والفهم المستقيم، ولكنّ الفقهاء وعلماء هذا الزمان يذكرون الأحكام والدلائل ويتركون ذكر الأسباب والأغراض، ويقولون (الفقه نقل لاعقول فاعملوا بما اُمِرتم وكما اُمِرتم ولكن لاتبحثوا عن الأسباب والأغراض، ) هذا قول مردود لايقبل، ولايعتمد عليه، ولايؤخذ به، لأنّه يمنع الباحث عن البحث، والمتَدبِّر عن التّدبّر، هذا المنع خطأ وغير مناسب، لأنّ البحث يعين صاحبه لمعرفة الحقّ والصّواب، وكذلك التدبّر، قال الله تعالى أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها، والله تعالى حثّ النّاس بالتدبّر، وهؤلاء يغلقون باب التدبّر، وكذلك بحث الأحاديث وتدبّرها،


أيّها الأخ المسلم! أراك تخلع نعليك قبل دخولك المسجد، لماذا تخلعها؟ وما مقصودك بخلعها؟ وما السّرّ الذي فيه؟ هل أمرك الله به فى آية من آي القرآن؟ أو أمرك به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فى حديث من أحاديثه؟ أخبرني آية من القرآن الكريم أو حديثا من أحاديث النبي العظيم ان كنت تعرف، وإلاّ فاقبل مقالتي هذه، وإنّي طلبت الدلائل لهذا من الكتاب والسنّة قدر وسعي، ولكنّي ماوجدت دليلا ولا أثرا لوجوبه أو لندبه،

وأمّا الإستدلال على وجوب خلع النعل أو سنّته بقوله تعالى مخاطبا لنبيّه موسى عليه الصلاة والسلام ”فاخلع نعليك إنّك بالوادي المقدّس طوى “ فغير مناسب، كما سيأتي التفصيل،

واعلم ياأخي أنّ لكلّ عمل من الأعمال الشـرعيّة من الفرض والسنّة  والمباح والحرمة والشرط سببا يقبله العقل السّليم والفهم المستقيم، سواء كان السّبب ظاهرا أو باطنا،

وأمّا القول بعدم السّبب للأعمال الشرعيّة الفقهيّة بدليل قول بعض الفقهاء ”الّفقه نقل لاعقول “ فهو ردّ على من قال، لأنّ الله تعالى لم يأمر أحدا بأمر أو لم يَنْهَه عنه إلاّ له سبب مناسب يقبله العقل، ولو خفي السّبب على الحمقى والقاصرين، لعدم الأهليّة عندهم، ولايخلو أيّ عمل عن سبب أو أسباب،

كالصلوات الخمس المفروضة، والسّبب لهذا العمل أي لفرضيّتها محو الله ذنوب المصلّي بصلاته - ببركة صلاته -، وغفرانه إيّاها  وعفوه عنه، وهذه هي الأسباب لمفروضيّة الصلوات الخمس، وهذا مثال للعمل المفروض،

وكالوضوء للصلاة، والسّبب لفرضيّته محو الله ذنوب المتوضّأ وغفرانه إيّاها، لأنّ الإنسان إذا توضّأ سقطت الذّنوب التي فعلها بأعضاء وضوئه منها، من الوجه واليدين والرجلين والعينين والأنف والرأس، وهذا مثال للعمل المفروض،

وكالسّحر للصّوم، أي الأكل وقت السحر، والسّبب لسنّية السحر تقوية الصائم جسمه وحفظه إيّاه من شدّة الجوع ومن فتوره وضعفه، والتّقوِّي لعبادة الله، وهذه هي الأسباب المهمّة لسنّية السحر، وهذا مثال للعمل المسنون،

وكغسل اليد قبل الطعام، وهو سنّة، والسّبب لسنّيته الطهارة والنّظافة - طهارة اليد ونظافتها -، لأنّ الإنسان يستعمل يده لكلّ شيئ، حتّى التّطهير من الخلاء، ويأخذ الأشياء الطاهرة  والمتنجّسة ويأخذ بيده مايضرّ بدنه من ضرر الدِّيدان  والحشرات، فإن لم يغسل يده قبل الطعام دخل بطنه الدّيدان والحشرات وغيرهما ممّا يضرّه من الأوساخ التّي تحت أظفار يده، وهذا مثال للعمل المسنون،

وكالمصافحة بعد صلاة العصر- مصافحة مأموم مع مأموم آخر ومع الإمام - وهي من الأمور المباحة، بخلاف الوهّابيّين القائلين ببدعة المصافحة بعد العصر بجهلهم أو بعنادهم، وقيل إنّها سنّة،

والسّبب لإباحتها عدم الضـرر بفعلها، وحصول المحبّة والتعارف والفرح والسّرور بين المصافحين، ومعلوم لدى العلماء أنّ مارآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وهذه قاعدة كلّية تصلح لكلّ أمر، هذا مثال للإباحة،

وكشرب الخمر، وهذا محرّم، والسّبب لحرمتها حصول الضُّرّ والمرض وفساد العقل لمن يستعملها ويدمنها، وفتور الأعضاء، والكسل والإغماء المتتابع والصّداع الدائم، ونتن الفم برائحة الخمر، وفرار الملائكة من شارب الخمر، وحصول المفاسد الكثيرة باستعمالها، وهذا مثال للمحرّم،

وكالغيبة، وهي محرّمة، والغيبة ذكرك أخاك بما يكره، وإن لم يكره فلابأس بذكره ولا حرج، كقولك عند صديقك عبد الله عن رجل بأنّه كذّاب أو أكّال أو نمّام، وأنت تعلم أنّه لايرضى بقولك هذا، وهذه هي الغيبة، وكنِدائك أحدا بلقبه الذي لايرضى به، كقولك ياثعلب وياذنب، والسّبب لحرمة الغيبة وجود إيذاء قلب الغير - عباد الله - فيها، وفتح باب الفساد والفتنة، وهذا مثال للمحرّم،

وقس على هذا كلّ حكم من الأحكام الشـرعيّة، لأنّ الأحكام الشـرعيّة ولو استنبطها الفقهاء المجتهدون فلها دلائل من الكتاب والسنّة، وإنّ الفقهاء لم يذكروا الأحكام - ولو حكما واحدا - من غير استنباط من القرآن والحديث، ولايقولون من عند أنفسهم شيأ، لأنّهم عباد مكرمون أو لو التقوى والورع والهداية، وهم ليسوا مثلنا، يخافون ربّهم من فوقهم ومن تحتهم وعن يمينهم وعن شمالهم ومن بين أيديهم، فلا يجوز قياس فقهاء هذا الزمان على الفقهاء المجتهدين السابقين، كالإمام الشافعيّ وإخوته من أئمّة المذاهب، وكالنّوويّ وابن حجر والرافعي والرملي والبخاري ومسلم وجلال الدين المحلّي وجلال الدين السيوطيى والفخر الرازي وغيرهم،

وأمّا خلع النعل قبل دخول المسجد فليس بواجب ولابسنّة، بل هو العادة المعروفة فى البلاد كلّها، لأنّ الله والرّسول لم يأمرا أحدا بخلع النّعل عند دخول المسجد، وأمّا دخول المسجد مع النّعل فهو جائز  إذا لم يكن فى النّعل نجاسة، ولكنّ المتقدّمين والمتؤخّرين خلعوا نعالهم عند دخول المسجد تأدّبا ومراعاة لحرمة المسجد،

وبالجملة خلع النّعل قبل دخول المسجد، وعند دخول ضرائح الأولياء للزّيارة، وقبل دخول أمكنة الأولياء والمشائخ والأساتيذ أمر محمود ومطلوب ومعتاد من أوّل الزمان إلى هذا الوقت، وإن لم يكن فرضا ولا سنّة،

وإنّما أمر الله تعالى نبيّه موسى عليه الصلاة والسلام بخلع النّعلين بقوله ”فاخلع نعليك إنّك بالوادى المقدّس طوى “ لمراعاة الأدب عند حضـرة الرّبّ، إذا أردنا بالنّعلين مايلبسه الرجل فى رجليه وما يتنعّل به،

ولنا أن نريد بالنّعلين المذكورين فى الآية ماأراد بهما الصوفيّة، فهم أرادوا ”بالنّعلين“ نعل العلم والعمل أو نعل الغيريّة والأنّيّة أو نعل الدنيا والأخرة، وهذا تعليم لجميع النّاس لا لنبيّ الله موسى فقط عليه الصلاة والسلام،

فعلى  هذا الأساس يلزم على من يريد حضرة الرّبّ تعالى أن يخلع نعلي العلم والعمل، فالمعنى أنّ من يريد حضـرة الرّبّ ويريد الوصول إليه والفناء فيه بكلّيّته أن يظنّ نفسه جاهلا لايدري شيأ، وطالحا لم يعمل عملا صالحا قطّ، وأن يرمي من قلبه نعل الغيريّة - إعتقاد الغيريّة بين العبد وربّه - ونعل الأنّيّة - إعتقاد وجود مستقلّ لنفسه ولكلّ خلق من خلق الله - وأن يطرح من قلبه أيضانعل حب الدنيا ونعل حبّ الآخرة، فإن كلاّ ممّا ذكر حجاب يمنع العبد من دخول حضـرة الربّ، وإلى هذه النّعال المذكورة أشار الله تعالى إلى نبيّه موسى بقوله فاخلع نعليكَ،

والخلاصة المختصرة المفهومة من العبارات المذكورة أنّ خلع النّعلين الظاهرتين قبل دخول المسجد ليس بواجب ولافرض ولا سنّة،ولكنّه - الخلع - أعتيد من أوّل الزمان إلى هذا الوقت، فالخلع أفضل من تركه،

ولكنّ الصّوفيّة الصّافية يؤوّلون لفظة  ”النّعلين “ من الآية بالعلم والعمل، لأنّ العلم حجاب كما قال حجّة الإسلام محمّد الغزالي فى كتابه  ”إحياء علوم الدين “ (العلم حجاب) وكذلك العمل، فهو أيضا حجاب، وهما يمنعان العبد من الوصول إلى الله،

فيلزم على من يريد حضرة ربّه والوصول إليه والقرب منه أن يخلع الحجابين المذكورين قبل الدّخول، كما قال الشيخ عبد السلام بن مشيش رحمه الله للشيخ أبي الحسن علي الشاذلي رحمه الله ”تعال عريانا “ أي من غير علم ولا عمل، لأنّ من أراد حضرة ربّه وهو متكبّر بعلمه وعمله فلا يلتفت إليه ربّه، لكونهما حجابين كما ذكرت،

ويؤوّلون أيضا لفظة النّعلين من الآية بالغيريّة والأنّيّة، ومعنى الغيريّة إعتقاد الغيريّة بين الخالق والمخلوق - بين الربّ وعبده -، ومعنى الأنّية شعور الرجل بأنّه وجود مستقلّ مغائر لوجوده تعالى، وهما أيضا حجابان كبيران، فيلزم على من يريد حضرة الربّ أي مقام الرّبّ أن يخلع الحجابين المذكورين، ويعتقد العينيّة بين الخالق والمخلوق - بين الربّ والعبد-،

فيجب على من يريد المسجد للصلاة - لمناجاة ربّه - أن يخلع النّعلين خارج المسجد وينوى بخلعهما خلع العلم والعمل أو خلع الأنّيّة والغيريّة أو خلع الدنيا والآخرة،

وكذلك يجب على من يريد زيارة وليّ أو شيخ أو أستاذ أن يخلع الملابس المذكورة كلّها، ويزورهم وهو صافى القلب ومُنكسِرُه، كما قال ربّ العزّة  ”أنا عند المنكسرة قلوبهم “ والله أعلم بالصواب وإليه المرجع المآب، 

النّعل : مايلبسه الإنسان فى رجليه، سواء كان مصنوعا  من جلد أو خشب أو حديد أو جريدة أو غيرها، وسواء كان اللابس ذكرا أو أنثى،

فتلخّص مما كتبت أنّ خلع النّعلين قبل دخول المسجد من الآداب المطلوبة المحمودة، وإن لم يكن فرضا أو سنّة، ولكن يجب على من يريد دخول المسجد عند خلع النّعلين أن ينوي بخلعهما المعاني المذكورة التي قالها الصوفيّة رضي الله عنهم،

أيها الأخ فتح الله قلبك وعلّمك مالم تعلم

أحقر العباد
وأخوك فى الله
 عبد الرؤوف عبد الجواد