Nov 12, 2015

سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها


فَمَا ثَمَّ مِنْ شَيْئٍ سِوَى اللهِ  فِى الْـوَرَى                وَمَا ثَــمَّ مَـسْمُـوْعٌ وَمَـا ثَـمَّ سَامِـعُ
هُوَ الْعَرْشُ وَالْكُرْسِيُّ وَالْـمَـنْظَرُ  الْعَلِيْ              هُوَ الـسِّدْرَةُ اللاَّتِيْ اِلَيْـهَا الْمَـرَاجِـعُ
هُوَ الْاَصْلُ حَقًّا وَالْـهَـيُوْلَـى مَـعَ الْهَبَا                 هُـوَ الْـفَـلَكُ الدَّوَّارُ وَهْوَ  الطَّـبَائِـعُ
هُوَ النُّـوْرُ وَالظَّـلْمَاءُ وَالْمَاءُ  وَالْـهَـوَى               هُوَ الْـعُـنْـصُرُ النَّـارِيُّ وَهْـوَ الْبَلاَقِعُ
هُوَ الـشَّمْـسُ وَالْبَدْرُ الْمُنِيْرُ  هُوَ السُّهَا                هُـوَ الْاُفْـقُ وَهْوَ النَّجْـمُ  وَهْوَ الْمَوَاقِعُ
هُوَ الْمَرْكَزُ الْحُكْمِيْ هُوَ الْاَرْضُ وَالسَّمَا             هُوَ الْمُـظْـلِمُ الْمِـقْـتَامُ وَهْوَ  اللَّوَامِعُ
هُــوَ الـدَّارُ  وَالْأَثْـلُ وَالْـحَيُّ وَالْـغَـضَا               هُـوَ الـنَّاسُ وَالـسُّكَّانُ وَهُـوَ  الْمَرَاتِعُ
هُوَ الْحُكْمُ وَالتَّـئْـثِـيْرُ وَالْأَمْرُ  وَالْقَضَا                هُـوَ الْـعِـزُّ وَالسُّـلْطَانُ  وَالْـمُـتَوَاضِعُ
هُـوَ الَّلفْظُ وَالْـمَـعْـنَى وَصُـوْرَةُ كُلِّ مَا                يُـخَالُ مِـنَ الْمَـعْـقُوْلِ اَوْ هُـوَ وَاقِــعٌ
هُـوَ الْـجِنْسُ وَهُـوَ النَّوْعُ وَالْفَصْلُ اِنَّهُ                هُـوَ الْـوَاجِـبُ الـذَّاتِــيُّ  وَالْمُـتَمَانِعُ
هُـوَ الْـعَـرَضُ الطَّارِيُّ نَعَمْ وَهُوَ جَوْهَرٌ              هُـوَ الْـمَعْدِنُ الصَّـلْدِيُّ وَهُوَ  الْمَوَانِعُ
هُـوَ الْـحَـيَـوَانُ الْـحَـيُّ وَهُـوَ حَـيَاتُـهُ                  هُـوَ الْوَحْـشُ وَالْإِنْسُ  وَهُوَ السَّوَاجِعُ
هُـوَ الْـقَـيْـسُ بَـلْ لَـيْلَاهُ وَهُـوَ بُـثَيْنَةُ                   اَجَلْ بِـشْرُهَا  وَالْخَيْفُ وَهُوَ الْاَجَارِعُ
هُوَ الْعَقْلُ وَهُوَ الْقَلْبُ وَالنَّفْسُ وَالْحَشَا                هُـوَ الرُّوْحُ وَهُوَ الْـجِـسْمُ  وَالْمُتَدَافِعُ
هُوَ الْـمُـوْجِـدُ الْأَشْـيَاءَ وَهُـوَ وُجُـوْدُهَا                وَعَـيْنُ ذَوَاتِ الْـكُلِّ وَهُـوَ الْـجَوَامِـعُ
وَمَا الْـخَـلْـقُ فِى الـتِّـمْثَالِ اِلاَّ كَثَلْجَةٍ                   وَاَنْـتَ بِـهَا الْـمَاءُ الَّـذِيْ هُـوَ  نَـابِـعُ
فَمَا الـثَّـلْجُ فِـى تَـحْقِـيْـقِنَا غَيْرَ مَائِهِ                    وَغَيْـرَانِ فِى حُـكْمٍ دَعَـتْهَا  الشَّرَائِعُ
وَلكِنْ بِـثَـوْبِ الـثَّلْـجِ يُـرْفَعُ حُكْمُهُ                     وَيُوْضَعُ حُـكْمُ الْـمَاءِ وَالْأَمْـرُ  وَاقِعُ
تَـجَـمَّعَـتِ الْأَضْدَادُ فِى وَاحِـدِ الْـبَـهَا                  وَفِـيْهِ تَـلاَشَـتْ فَـهْـوَ عَنْهُنَّ  سَاطِعُ

(النّادرات العينية - للشيخ عبد الكريم الجيلي رحمه الله ص - 70-75)

وأمّا هذه القصيدة المذكورة فهي للشيخ عبد الكريم الجيلي رحمه الله، صاحب كتاب ”الإنسان الكامل “

الجيلي : عبد الكريم واحد من كبار صوفية الإسلام وفلافستهم،

ويعتبر الجيلي : الذي كان معظم تراثه مخطوطا حتّى اليوم وما طبع منه طبع بدون تحقيق، - من أهّم المعبّرين عن النّظريّة الصوفيّة فى الفكر الإسلاميّ،

لقّب بالجيليّ نسبة إلى ”جيلان “ وهي منطقة فارسيّة ينتسب إليها الكثير من رجال العلم والثقافة فى تاريخ الإسلام،

وكان مولد الجيلي فى أوّل شهر محرّم سنة 767 هجريّة، لكنّه ما لبث أن رَحَل فى سنّ مبكِّرة ليَسِيح فى الأرض على طريقة صوفيّة عصره، 

قضَى الجيلي حياته فى السّفر والسياحة، فزار الهند وبلاد فارس والعراق، ونزل مصر وفلسطين والحجاز وأرض اليمن، وكانت وفاة الجيلي بمدينة ”زُبَيْد “ ببلاد اليمن سنة 826 هجريّة، وخلال سياحات الجيليّ المستمرّة حصل الرجل الكثير من العلوم والمعارف، وأحاط بالتراث اليونانيّ وعرف أسرار اللّغات الهنديّة والفارسية والعربيّة، وألّف بكلّ هذه اللّغات ، كما كان عالما بالحروف وحساب الجمل، إلى جانب درايته الواسعة، بالمذاهب والعقائد غير الإسلاميّة، وبفنون المعارف الإسلاميّة، كالفقه والتفسير،

أمّا عن تصوّفه فقد أخذ الطريقة عن شيخه شرف الدين إسماعيل الجبرتي (المتوفّى سنة 806 هجريّة) الّذي كان آنذاك شيخا لصوفيّة اليمن، وقد كان الجبرتيّ فى أوّل أمره من أتباع الطريقة القادريّة، ثمّ مالبث أن كوّن مدرسة خاصّة قامت على فكر محي الدين ابن عربي رضي الله عنه، فكان يدعو تلامِيذه ومريديه إلى قراءة مؤلّفات ابن عربي - كالفتوحات المكّيّة وفصوص الحكم - ومن هنا ظهرت تلك الصلة القويّة بين عبد الكريم الجيلي وبين ابن عربي الذي لقّبه الصوفية بالشيخ الأكبر،

وقد ترك الجيلي العديد من المؤلّفات غير قصيدة النادرات، وكان أسلوبه فى هذه المؤلّفات -التي تربو على الثلاثين - مفعما بالرمزيّة الشديدة ولغة الإشارة والتلويح،

ومن أشهر مؤلّفاته : الإنسان الكامل فى معرفة الأواخر والأوائل، الكمالات الإلهية، غنية أرباب السماع، الكهف والرقيم،

وأيّها العلماء المنكرون وحدة الوجود! والقائلون بكفرها وشركها وضلالتها! والحاكمون بكفر من اعتقدها ونطق بها وصدّقها أسئلكم أن تخبروني آرائكم وفتاواكم عن الآيات المذكورة فى القرآن الكريم الّتي استنبط منها العارفون الراسخون فى العلوم الدلائل لعقيدة وحدة الوجود، واستدلّوا بها على صحّتها،

كقوله تعالى ولله المشرِق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه الله، وقوله تعالى وما قتلوه ولكنّ الله قتلهم، وقوله وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى، وقوله ألا إنّهم فى مرية من لقاء ربّهم ألا إنّه بكلّ شيئ محيط، وغيرها من الآيات، تركتها خوفا من التطويل،

وأسئلكم أيضا عن الأحاديث الّتي دلّت على وحدة الوجود دلالة واضحة، واستنبطوا منها الدلائل لعقيدة وحدة الوجود، واستدلّوا بها على صحّتها،

كقوله صلّى الله عليه وسلّم أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد ألا كلّ شيئ ما خلا الله باطل، وقوله لاتسبوّا الدهر فإن الدّهر هو الله، وقوله لو أنّكم دلّيتم بحبل على الأرض السفلى لهبط على الله، وغيرها من الأحاديث الواردة من كتب الحديث،

وأسئلكم أيضا عن أقوال العارفين الكاملين الواصلين السابحين فى بحر وحدة الوجود، كقول الشيخ محي الدين ابن عربي رضي الله عنه إن تغيّبتُ بدا وإن بدا غيّبني، وقوله إنّما الكون خيال، وهو حقّ فى الحقيقة، كلّ من يعرف هذا، حاز أسرار الطريقة، وقوله سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها، وغيرها من أقوال الأولياء العارفين،

والدّلائل الدّالّة على صحّة وحدة الوجود والشواهد النّاطقة بموافقتها للكتاب والسّنّة كثيرة لا تعدّ ولا تحصُرْ، مذكورة فى كتب التّصوّف ووحدة الوجود، من كتب الأولياء المكاشفين، وما أتيت بها هنا لئلاّ يطول الكلام، ولكنّي ذكرت الدّلائل - أكثرها - فى رسالتي العربيّة ”الكبريت الأحمر “ الّتي ستُطبع  عن قريب وتوزّع مجّانا لكلّ عالم من علماء هذه الدولة، سنّيا كان أو وهّابيّا، رياضيّا كان أو مدنيّا،

أيّها المنكرون! وأيّها الجاحدون الجاهلون! أراكم أطفالا تمصّ ثُدِيَّ أمّهاتهم بالنسبة إلى فنّ التّصوّف ووحدة الوجود، وصبيانا يلعبون بالكرة فى الشوارع وهم عراة، وخنافيس عجزت عن الطيران والمشي بسبب شمّها شذى المسك والعطورات،

 فطالعوا أيّها المنكرون وتصفّحوا مؤلّفات العارفين الواصلين بنيّة خالصة صافية إن استطعتم مطالعتها بدون أي معيْن يعينكم، وإلّا فاتركوا الحياء الذي يمنعكم من التّعلّم - هو الحجاب -، واطلبوا لكم شيخا يربّيكم برؤيته المغناطيسية، ويوصلكم إلى الله بإشاراته الخاطفة، وينوّر قلوبكم بمقالاته العاصفة، والزموا عتباتهم واهجروا منامكم ومضاجعكم كما قال عاشق بالله وفى الله،

إلزم الباب إن عشقت الجمالا  ***  واهجر النّوم إن أردت الوصالا

واقعدوا عند قدميه حتّى يبذر بذور العرفان فى أرض قلوبكم،

أيّها العلماء القائلون بوحدة الوجود! (بارك الله فى علومكم وفتح قلوبكم كما فتح قلوب الكمّل من الأولياء العارفين) فزتم بخيرات الدارين، ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ومايذّكر  إلاّ أولوا الألباب ، وحزتم سعادة الدارين، ببركات سيّد الكونين، وأنتم المؤمنون حقّا، وُقِيتم من شرور الشرك - الحلول والإتحاد والإتّصال والإنفصال -، وغُذيتم بلبن الوصال، وسقيتم عسل الكمال، النّار محرّمة عليكم، والجنّة تشتاق إليكم، فلا تخافوا ولاتحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين بوحدة الوجود، لابكثرة الوجود، لأنّ من آمن بكثرة الوجود وأنكر وحدة الوجود فقد أشرك بالله تعالى، لإثباته وجودا مستقلاّ لكلّ فرد من أفراد خلقه تعالى،

أيّها العلماء المنكرون! إلتفتوا  إلى نشيدة الشيخ عبد الكريم الجيلي رحمه الله وتدبّروا معاني قصيدته، لأنّه يقول فى القصيدة المذكورة (أنّ الأشياء كلّها عين الله تعالى لا غيره بقوله وعين ذوات الكل وهو الجوامع) وكيف يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي قولا يخالف الشرِيعة أو عقيدة تخالفها؟ مع كونه بحرا عميقا فى علوم الشريعة والطريقة والحقيقة والمعرفة،

فاستفتوا قلوبكم أيّها العلماء المنكرون! إنّ الشيخ عبد الكريم الجيلي رحمه الله يقول فى قصيدته المذكورة (أنّ الأشياء كلّها عين الحقّ تعالى لا غيره، وكيف يقول الشيخ قولا يخالف الشرِيعة إن كانت عقيدة وحدة الوجود مخالفة للإسلام كما فى زعمكم) حال كونه بحرا عميقا فى علوم الشرِيعة والطريقة والحقيقة والمعرفة، وجبلا عظيما فى علم وحدة الوجود لا يؤثّر فيه حديد ولارعد ولابرق، ولاقنبلة ولا بندق،

فاستفتوا قلوبكم أيّها العلماء المنكرون، وكيف تكفّرون عالما ربّانيّا علّمه الله علم مالم يعلم بواسطة الإلهام والكشف؟ واشتهر صيته فى جميع العالم، كما اشتهر صيت الشيخ محي الدين ابن عربي رضي الله عنه؟ وشرح كتابه ”الإنسان الكامل “ كثير من الائمّة الكبار، حتّى الإمام المشهور المشبّه ببحرا لعلوم الّذي ألّف أكثر من خمسمأة مؤلّف، الذي حارت فى فهم خلاصته أفكار العلماء المتضلّعين وعقول الفقهاء المدرّسين الشيخ عبد الغني النابلسِي رحمه الله، وأثنى عليه جمّ غفير من العلماء الذين هم كالبحار المحيطة فى كلّ فنّ من الفنون، واتّقوا يوما ترجعون فيه إلى الله، وإنّ بطش ربّك لشديد،

أيّها المشائخ الكرام ! للطرائق العليّة، من القادريّة والشّاذليّة والرّفاعيّة والجشتيّة والنقشبنديّة والسهرورديّة وغيرها،

بارك الله لكم فى معيشتكم بركة واسعة وأطال بقائكم وحفظكم من الأمراض والأسقام، ومن شرور الأعداء والمنافقين، والكائدين والخائنين، ومن شرور القرود المتمرّدة الوهّابيّة،

أيّها المشائخ الكرام! ماقولكم وما فتواكم عن عقيدة وحدة الوجود، هل هي عقيدة مقبولة فى الإسلام وموافقة للكتاب والسنّة؟، أو هي عقيدة مردودة ومخالفة لهما،

أجيبوا أيّها المشائخ العظام بجواب يشفي صدور قوم متردّدين فى هذا الأمر، من العلماء والعوام، لأنّي أرى العلماء فريقين فى هذا الشأن، فريق يقولون بأنّ عقيدة وحدة الوجود مقبولة فى الإسلام وموافقة للكتاب والسنّة، وفريق آخر يقولون بأنّها مردودة فى الإسلام وعقيدة باطلة زائغة، ومخالفة للكتاب والسنّة، ولكنّ جميعهم ينتظرون منكم أيّها المشائخ السّابحون فى بحر العرفان جوابا يغنيهم عن جواب غيركم،

أيّها الـمشائخ العظام! قولوا الحقّ ولو سقط على رؤوسكم السّماء، واصبروا على ما يصيبكم من أذيّات الأعداء وكيدهم ومكرهم بإظهاره، ولا تخافوا فى الله لومة اللوّام ولا كبوة الحكّام، واطرحوا الخوف وراء ظهوركم، ولا تخافوا أيضا من أعدائكم كما تخافون من الحيّة أو كما تخاف الحيّة منكم،

ولاتسكتوا عن إظهار الحقّ والصّواب حين يلعب الجهلاء بالعقيدة كما يلعب الصّبيان بالكرة، لأنّكم إذا سَكَتُّم  عن الحقّ وسترتموه خوفا من شرور الأعداء ومن فوات منصب دنيويّ لَسَقَطَ النَّاس الذين وَثِقُوْابكم وبأقوالكم وبنصائحكم فى وحل الضّلالة، وصرتم أنتم خائنين أقواما أرادوا الحقّ والصّواب من أفواهكم، فتفكّروا برهة واستفتوا قلوبكم عن سكوتكم، وتذكّروا قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فكتمه أَلْجَمَهُ الله بلجام من نار، أتريدون أيّها المشائخ العظام أن تلجموا بلجام من نار،

أيّها المشائخ الأعزّاء! تبايعون النّاس وتأمرونهم باتّباع الشّريعة والطّريقة والعمل بهما، وتهجرون مضاجعكم وتحمّلون مشقّات لإرشاد مريديكم وإيصالهم إلى الحقّ تعالى، وهذه الأمور كلّها محمودة ومطلوبة وواجبة عليكم، ولكنّكم لاتُنوّرُون قلوبهم بإلقاء حبّات المعارف الإلهية وبَذْرِ بُذُوْرِ الأسرار الرباّنيّة فيها، ولاتصلحون قلوبهم ولاتطهّرونها من نجاسة الغيريّة والأنّيّة والأنانيّة،

فأسئلكم أيّها المشائخ أن تشدّوا مآزركم لإحقاقِ الحقّ والصّواب، ولإبطال الباطل والفساد، والله معي ومعكم ومع كلّ ذرّة من ذرّات الكائنات معيّة ذاتيّة،
والسلام على من آمن بالله على أسلوب وحدة الوجود

أخوكم فى الله
مولوي عبد الرؤوف مصباحي

25 اكتوبر 2015


العنوان
شارع الجامع البدري
كاتانكودي.